الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **
وقال بعض العلماء: لا يجوز قطع اليابس منه، واستدلوا له بأن استثناء الإذخر إشارة إلى تحريم اليابس، وبأن في بعض طرق حديث أبي هريرة: ولا يحتش حشيشها، والحشيش في اللغة: اليابس من الشعب، ولا شك أن تركه أحوط.
واختلف أيضًا في جواز ترك البهائم ترعى فيه، فمنعه أبو حنيفة، وروي نحوه عن مالك، وفيه عن أحمد روايتان، ومذهب الشافعي وجوازه، واحتج من منعه بأن ما حرم اتلافه، لم يجز أن يرسل عليه ما يتلفه كالصيد، واحتج من أجازه بأمرين:
الأول: حديث ابن عباس قال: "أقبلت راكبًا على أتان، فوجدت النَّبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فدخلت في الصف وأرسلت الأتان ترتع" متفق عليه، ومنى من الحرم.
الثاني: أن الهْديَ كان يدخل بكثرة في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وزمن أصحابه، ولم ينقل عن أحد الأمر بسد أفواه الهدي عن الأكل من نبات الحرم. وهذا القول أظهر، والله تعالى أعلم.
وممن قال به عطاء، واختلف في أخذ الورق، والمساويك من شجر الحرم إذا كان أخذ الورق بغير ضرب يضر بالشجرة، فمنعه بعض العلماء لعموم الأدلة، وأجازه الشافعي، لأنه لا ضرر فيه على الشجرة، وروي عن عطاء، وعمرو بن دينار، أنهما رخصا في ورق السنا للاستمشاء بدون نزع أصله، والأحوط ترك ذلك كله، والظاهر أن من أجازه استدل لذلك بقياسه على الإذخر بجامع الحاجة.
وقال ابن قدامة (المغني): ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان، وانقلع من الشجر بغير فعل آدمي، ولا ما سقط من الورق، نص عليه أحمد، ولا نعلم فيه خلافًا، لأن الخبر إنما ورد في القطع، وهذا لم يقطع فأما إن قطعه آدمي، فقال أحمد: لم أسمع إذا قطع أنه ينتفع به، وقال في الدوحة تقطع من شبهه بالصيد لم ينتفع بحطبها، وذلك لأنه ممنوع من اتلافه لحرمة الحرم، فإذا قطعه من يحرم عليه قطعه لم ينتفع به، كالصيد يذبحه المحرم.
ويحتمل أن يباح لغير القاطع الانتفاع به، لأنه انقطع بغير فعله، فأبيح له الانتفاع به، كما لو قطعه حيوان بهيمي، ويفارق الصيد الذي ذبحه، لأن الذكاة تعتبر لها الأهلية، ولهذا لا تحصل بفعل بهية بخلاف هذا اهـ.
وقال في المغني أيضًا: ويباح أخذ الكمأة من الحرم، وكذلك الفقع، لأنه لا أصل له، فأشبه الثمرة، وروى حنبل قال: يؤكل من شجر الحرم الضغابيس والعشرق، وما سقط من الشجر، وما أنبت الناس.
واختلف في عشب الحرم المكي، هل يجوز أخذه لعلف البهائم؟ والأصح المنع لعموم الأدلة. فإذا عرفت هذا، فاعلم أن الحلال إذا قتل صيدًا في الحرم المكي. فجمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة، وعامة فقهاء الأمصار على أن عليه الجزاء، وهو كجزاء المحرم المتقدم، إلا أن أبا حنيفة قال: ليس فيه الصوم، لأنه إتلاف محض من غير محرم.
وخالف في ذلك داود بن علي الظاهري، محتجًا بأن الأصل براءة الذمة ولم يرد في جزاء صيد الحرم نص، فيبقى على الأصل الذي هو براءة الذمة وقوله هذا قوي جدًا.
واحتج الجمهور "بأن الصحابة رضي الله عنهم قضوا في حمام الحرم المكي بشاة شاة"، روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر وابن عباس، ولم ينقل عن غيرهم خلافهم، فيكون إجماعًا سكوتيًا، واستدلوا أيضًا بقياسه على صيد المحرم، بجامع أن الكل صيد ممنوع لحق الله تعالى، وهذا الذي ذكرنا عن جمهور العلماء من أن كل ما يضمنه المحرم يضمنه من في الحرم يستثنى منه شيئان:
الأول: منهما القمل، فإنه مختلف في قتله في الإحرام، وهو مباح في الحرم بلا خلاف.
والثاني: الصيد المائي مباح في الإحرام بلا خلاف، واختلف في اصطياده من آبار الحرم وعيونه، وكرهه جابر بن عبد الله، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام "لا ينفر صيدها" فثبتت
حرمة الصيد لحرمة المكان، وظاهر النص شمول كل صيد، ولأنه صيد غير مؤذ فأشبه الظباء، وأجازه بعض العلماء محتجًا بأن الإحرام لم يحرمه، فكذلك الحرم، وعن الإمام أحمد روايتان في ذلك بالمنع والجواز.
فقالت جماعة من أهل العلم، منهم مالك، وأبو ثور، وداود: لا ضمان في شجره ونباته، وقال ابن المنذر: لا أجد دليلا أوجب به في شجر الحرم فرضًا من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، وأقول كما قال مالك: نستغفر الله تعالى.
والذين قالوا بضمانه، منهم الشافعي وأحمد وأبو حنيفة، إلا أن أبا حنيفة قال: يضمن كله بالقيمة، وقال الشافعي، وأحمد: يضمن الشجرة الكبيرة ببقرة، والصغيرة بشاة، والخلا بقيمته والغصن بما نقص، فإن نبت ما قطع منه، فقال بعضهم: يسقط الضمان، وقال بعضهم بعدم سقوطه.
واستدل من قال في الدوحة بقرة، وفي الشجرة الجزلة شاة بآثار رويت في ذلك عن بعض الصحابة كعمر وابن عباس، والدوحة: هي الشجرة الكبيرة، والجزلة: الصغيرة.
المسألة الثانية عشرة: حرم المدينة اعلم أن جماهير العلماء على أن المدينة حرم أيضًا لا ينفر صيدها ولا يختلى خلاها، وخالف أبو حنيفة الجمهور، فقال: إن حرم المدينة ليس بحرم على الحقيقة ولا تثبت له أحكام الحرم من تحريم قتل الصيد، وقطع الشجر، والأحاديث الصحيحة الصريحة ترد هذا القول، وتقضي بأن ما بين لابتي المدينة حرم لا ينفر صيده، ولا يختلي خلاه إلا لعلف، فمن ذلك حديث عبد الله بن زيد بن عاصم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة"، الحديث متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة، وجعل اثني عشر ميلًا حول المدينة حمى" متفق عليه أيضًا، وكان أبو هريرة يقول: "لو رأيت الظباء ترتع في المدينة ما ذعرتها": وعن أبي هريرة أيضًا في المدينة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرم شجرها أن يخبط أو يعضد" رواه الإمام أحمد، وعن أنس أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أشرف على المدينة، فقال: "اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم" متفق عليه.
وللبخاري عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "المدينة حرام من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها، ولا يحدث فيها حدث، من أحدث فيها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"، ولمسلم عن عاصم الأحول، قال: سألت أنسًا أَحْرَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؟ فقال: نعم هي حرام لا يُختلى خلاها"، الحديث.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني حرمت المدينة، حرام ما بين مأزميها ألا يراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح ولا يخبط فيها شجر إلا لعلف"، رواه مسلم.
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاهها، ولا يصاد صيدها"، رواه مسلم أيضًا.
وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المدينة حرام ما بين عير إلى ثور"، الحديث متفق عليه.
وعن علي رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في المدينة "لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن تقطع فيها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره"، رواه أبو داود بإسناد صحيح، ورواه الإمام أحمد، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها".
وقال: "المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يخرج عنها أحد رغبة إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على ولائها وجهدها إلا كنت له شهيدًا، أو شفيعًا يوم القيامة"، رواه مسلم.
وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم ما بين لابتيها" رواه مسلم أيضًا.
وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: أهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى المدينة، فقال: "إنها حرم آمن"، رواه مسلم في صحيحه أيضًا.
وعن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه أبي سعيد رضي الله عنهما "أنه سمع النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إني حرمت ما بين لابتي المدينة، كما حرم إبراهيم مكة".
قال: وكان أبو سعيد الخدري يجد في يد أحدنا الطير، فيأخذه فيفكه من يده، ثم يرسله، رواه مسلم في صحيحه أيضًا، وعن عبد الله بن عبادة الزرقي، "أنه كان يصيد العصافير في بئر إهاب، وكانت لهم، قال: فرآني عبادة، وقد أخذت عصفورًا فانتزعه مني فأرسله، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حُرِّم ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم عليه السلام مكة" وكان عبادة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه البيهقي.
وعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، قال: اصطدت طيرًا بالقنبلة، فخرجت به في يدي فلقيني أبي عبد الرحمان بن عوف، فقال: ما هذا في يدك؟ فقلت: طير اصطدته بالقنبلة، فعرك أذني عركًا شديدًا، وانتزعه من يدي، فأرسله، فقال: "حَرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم صيد ما بين لابتيها"، رواه البيهقي أيضًا، والقنبلة: آلة يصاد بها النهس وهو طائر.
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه "أنه وجد غلمانًا قد ألجؤوا ثعلبًا إلى زاوية فطردهم عنه"، قال مالك: ولا أعلم إلا أنه قال: "أفي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هذا"، رواه البيهقي أيضًا.
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه "أنه وجد رجلًا بالأسواف ـ وهو موضع بالمدينة ـ وقد اصطاد نهسًا فأخذه زيد من يده فأرسله، ثم قال: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم صيد ما بين لابتيها"، رواه البيهقي، والرجل الذي اصطاد النهس هو شرحبيل بن سعد والنهي بضم النون وفتح الهاء بعدهما سين مهملة ـ طير صغير فوق العصفور شبيه بالقنبرة.
والأحاديث في الباب كثيرة جدًا، ولا شك في أن النصوص الصحيحة الصريحة التي أوردنا في حرم المدينة لا شك معها، ولا لبس في أنها حرام، لا ينفر صيدها، لا يقطع شجرها، ولا يختلي خلاها إلا لعلف، وما احتج به بعض أهل العلم على أنها غير حرام من قوله صلى الله عليه وسلم "ما فعل النُّعَيْر يَا أَبَا عُمَيْرٍ"، لا دليل فيه، لأنه محتمل لأن يكون ذلك قبل تحريم المدينة، ومحتمل لأن يكون صيد في الحل، ثم أدخل المدينة.
وقد استدل به بعض العلماء على جواز إمساك الصيد الذي صيد في الحل وإدخاله المدينة، وما كان محتملًا لهذه الاحتمالات لا تعارض به النصوص الصريحة الصحيحة الكثيرة التي لا لبس فيها ولا احتمال، فإذا علمت ذلك فاعلم أن العلماء القائلين بحرمة المدينة، وهم جمهور علماء الأمة اختلفوا في صيد حرم المدينة هل يضمنه قاتله أو لا؟ وكذلك شجرها، فذهب كثير من العلماء منهم مالك والشافعي في الجديد، وأصحابهما وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وعليه أكثر أهل العلم إلى أنه موضع يجوز دخوله بغير إحرام، فلم يجب فيه جزاء كصيد وج.
واستدلوا أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم "المدينة حرم ما بين عير وثور، فمن أحدث فيها حدثًا، أو آوى فيها محدثًا فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلًا"، فذكره صلى الله عليه وسلم لهذا الوعيد الشديد في الآخرة، ولم يذكر كفارة في الدنيا دليل على أنه لا كفارة تجب فيه في الدنيا، وهو ظاهر.
وقال ابن أبي ذئب، وابن المنذر: يجب في صيد الحرم المدني الجزاء الواجب في صيد الحرم المكي، وهو قول الشافعي في القديم. واستدل أهل هذا القول بأنه صلى الله عليه وسلم صرح في الأحاديث الصحيحة المتقدمة بأنه حرم المدينة مثل تحريم إبراهيم لمكة، ومماثلة تحريمها تقتضي استواءهما في جزاء من انتهك الحرمة فيهما.
قال القرطبي، قال القاضي عبد الوهاب: وهذا القول أقيس عندي على أصولنا لا سيما أن المدينة عند أصحابنا أفضل من مكة، وأن الصلاة فيها أفضل من الصلاة في المسجد الحرام اهـ.
قال مقيده عفا الله عنه: ومذهب الجمهور في تفضيل مكة، وكثرة مضاعفة الصلاة فيها زيادة على المدينة بمائة ضعف أظهر لقيام الدليل عليه، والله تعالى أعلم.
وذهب بعض من قال بوجوب الجزاء في الحرم المدني إلى أن الجزاء فيه هو أخذ سلب قاتل الصيد، أو قاطع الشجر فيه.
قال مقيده عفا الله عنه: وهذا القول هو أقوى الأقوال دليلا. لما رواه مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه "أنه ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدًا يقطع شجرًا، أو يخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه، أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم فقال: معاذ الله أن أرد شيئًا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يرده عليهم"، رواه مسلم في صحيحه، وأحمد وما ذكره القرطبي في تفسيره رحمه الله من أن هذا الحكم خاص بسعد رضي الله عنه، مستدلًا بأن قوله "نفلنيه" أي أعطانيه ظاهر في الخصوص به دون غيره فيه عندي أمران:
الأول: أن هذا لا يكفي في الدلالة على الخصوص، لأن الأصل استواء الناس في الأحكام الشرعية إلا بدليل، وقوله "نفلنيه" ليس بدليل، لاحتمال أنه نفل كل من وجد قاطع شجر، أو قاتل صيد بالمدينة ثيابه، كما نفل سعدًا، وهذا هو الظاهر.
الثاني: أن سعدًا نفسه روي عنه تعميم الحكم، وشموله لغيره، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن سليمان بن أبي عبد الله قال: "رأيت سعد بن أبي وقاص أخذ رجلًا يصيد في حرم المدينة الذي حَرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلبه ثيابه فجاء مواليه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم، وقال: "من رأيتموه يصيد فيه شيئًا فلكم سلبه". فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إن شئتم أن أعطيكم ثمنه أعطيتكم" وفي لفظ "من أخذ أحدًا يصيد فيه فليسلبه ثيابه" وروى هذا الحديث أيضًا الحاكم وصححه، وهو صريح في العموم وعدم الخصوص بسعد كما ترى، وفيه تفسير المراد بقوله "نفلنيه" وأنه عام لكل من وجد أحدًا يفعل فيها ذلك.
وتضعيف بعضهم لهذا الحديث بأن في إسناده سليمان بن أبي عبد الله غير مقبول، لأن سليمان بن أبي عبد الله مقبول، قال فيه الذهبي: تابعي وثق، وقال فيه ابن حجر في (التقريب): مقبول.
والمقبول عنده كما بينه في مقدمة تقريبه: هو من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله فهو مقبول حيث يتابع، وإلا فلين الحديث، وقال فيه ابن أبي حاتم: ليس بمشهور، ولكن يعتبر بحديثه اهـ.
وقد تابع سليمان بن أبي عبد الله في هذا الحديث عامر بن سعد عند مسلم وأحمد، ومولى لسعد عند أبي داود كلهم عن سعد رضي الله عنه، فاتضح رد تضعيفه مع ما قدمنا من أن الحاكم صححه، وأن الذهبي قال فيه: تابعي موثق.
والمراد بسلب قاطع الشجر أو قاتل الصيد في المدينة أخذ ثيابه. قال بعض العلماء: حتى سراويله.
والظاهر ما ذكره بعض أهل العلم من وجوب ترك ما يستر العورة المغلظة، والله تعالى أعلم.
وقال بعض العلماء: السلب هنا سلب القاتل، وفي مصرف هذا السلب ثلاثة أقوال:
أصحها: أنه للسالب كالقتيل، ودليله حديث سعد المذكور.
والثاني: أنه لفقراء المدينة.
والثالث: أنه لبيت المال، والحق الأول.
وجمهور العلماء على أن حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تقدم في حديث أبي هريرة المتفق عليه، أن قدره اثنا عشر ميلًا من جهات المدينة لا يجوز قطع شجره، ولا خلاه، كما رواه جابر بن عبد الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن يهش هشًا رفيقًا" أخرجه أبو داود والبيهقي، ولم يضعفه أبو داود، والمعروف عن أبي داود رحمه الله إنه إن سكت عن عن الكلام في حديث فأقل درجاته عنده الحسن.
وقال النووي في شرح المهذب بعد أن ساق حديث جابر المذكور: رواه أبو داود بإسناد غير قوي لكنه لم يضعفه اهـ، ويعتضد هذا الحديث بما رواه البيهقي بإسناده عن محمد بن زياد قال: "كان جدى مولي لعثمان بن مظعون، وكان يلي أرضًا لعثمان فيها بقل وقثاء. قال: فربما أتاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصف النهار، واضعًا ثوبه على رأسه يتعاهد الحِمَى، ألا يعضد شجره، ولا يخبط. قال: فيجلس إليَّ فيحدثني، وأطعمه من القثاء والبقل، فقال له يومًا: أراك لا تخرج من ها هنا. قال: قلت: أجل. قال: إني أستعملك على ما ها هنا فمن رأيت يعضد شجرًا أو يخبط فخذ فأسه، وحبله، قال: قلت آخذ رداءه، قال: لا" وعامة العلماء على أن صيد الحمى المذكور غير حرام، لأنه ليس بحرم، وإنما هو حمى حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم للخيل وإبل الصدقة والجزية، ونحو ذلك.
|